أصبح تعبير الاسلام السياسي شائعاً منذ تولي أنور السادات حكم مصر في السبعينيات من القرن العشرين و رونالد ريجان الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. أدت سياستهما الي تصاعد قوى التيارات الدينية السياسية الإرهابية، ومنها الجماعات الاسلامية كتنظيم القاعدة والطالبان وداعش وبوكو حرام والاخوان المسلمين وحماس وغيرهم.
يجب أن ندرس تاريخ كل تيار ديني سياسي ، سواء كان إسلامياً أو يهودياً أو مسيحياً أو غيره ، لنعرف كيف نشأ وما هي القوى الدولية والمحلية التي ساعدته مالياً وعسكرياً. مثلاً وضع الفرنسيون خطة للسيطرة علي مصر في عهد لويس الرابع عشر ، سميت المخطوط السري لغزو مصر، من تأليف الفيلسوف الألماني ليبنز، الذي رأى أن الدين سلاح مهم لضرب الشعوب لا يقل أهمية عن السلاح العسكري، تعلم ذلك من الحروب المسيحية في أوروبا خلال القرون الوسطى. وكان نابليون يونابارت قد تعلم ذلك أيضاً ، وتوجه الي مصر يغزوها عسكرياً واقتصادياً في عام 1798، مُعلناً في الأبواق للشعب المصري هذه العبارة ” الفرنساوية أيضا مسلمون مخلصون ” وكاد يعلن إسلامه رسمياً من أجل خداع الشعب.
تمرس الاستعمار البريطاني في استخدام الدين لخداع الشعوب، لا ننسى مقولة الفلاحة الإفريقية : ” جاء الإنجليز إلينا فأعطونا الإنجيل وأخذوا الأرض “. وتعاون الاستعمار البريطاني مع النظام الملكي المصري لتقوية جماعة الاخوان المسلمين منذ بداية تكوينها في العشرينيات من القرن العشرين، بهدف ضرب القوى الشعبية الاشتراكية والشيوعية المعادية للرأسمالية ، ومن أجل تقسيم مصر طائفياً عبر إشعال الصراع الديني السياسي بين المسلمين والأقباط . وتعلمت إسرائيل الدرس من الإنجليز، فشجعت حركة حماس الاسلامية على ضرب حركات المقاومة الشعبية الفلسطينية ومنها منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات.
ورث الاستعمار الأمريكي الجديد خبرة الاستعمار البريطاني القديم في استخدام الإسلام كأداة في الصراع السياسي والعسكري، ولإشعال الفتن الطائفية في العالم العربي.
تم استخدام الدين في السياسة في كل مراحل التاريخ البشري منذ نشوء الدين. لو درسنا تاريخ اليهودية والمسيحية والإسلام، أو غيرها، سندرك أنها حركات سياسية إقتصادية منذ البداية؛ كان حاكم الأرض يسيطر علي الشعب متنكراً بملابس الإله السماوي، فما يلعب الكهنة أو رجال الدين دوراً في تجهيل الشعب بالتربية الدينية والإيمان الأعمى منذ الطفولة. ولو درسنا الكتب الدينية الثلاثة: التوراة ،الانجيل والقرآن، سندرك أنها كتب سياسية أساساً تتخفى تحت كلمات الرب، تعجز عقول الشعوب عن كشف الخداع بسبب نظم التربية والتعليم منذ الطفولة، وقد يكتشف العقل الناضج الخديعة، لكن الإيمان الديني يظل قابعاً في الوجدان أو ما يسمى الروح .
في التوراة أو العهد القديم، هناك عهد إلهي وآية مقدسة صريحة وواضحة يعطي بها الإله السماوي أرض فلسطين لبني إسرائيل مقابل قطع غرلة الذكر؛ هذه العملية الجراحية التي تسمى ختان الذكور ، والتي ثبت طبياً أن لها مضاعفات وأضرار صحية واجتماعية متعددة .
إحتلال أرض فلسطين بالسلاح هو عمل سياسي اقتصادي عسكري ، يتم تبريره دينياً كعهد إلهي في كتاب التوراة .
فرض الحجاب أو النقاب علي النساء ونسب الأطفال للأب ليست إلا ممارسات سياسية إقتصادية جنسية تتم تحت إسم الدين.
قضى أبي عمره يدرس الأديان في معاهد متعددة منها الأزهر ودار العلوم والقضاء الشرعي والمعلمين العليا ، إلى جانب قراءاته خارج المقررات. لم يدرس الإسلام فقط بل درس الاديان السماوية وتاريخها وبعض الأديان الأرضية منها البوذية والهندوكية، كما قرأ للفلاسفة والشعراء منهم إبن سينا والجاحظ وإبن رشد والمتنبي وأبي نواس وبشار بن برد وأبي العلاء المعري وطاغور وجبران وطه حسين وغيرهم. كنت أستمع إليه بسرور وبهجة لأن كلامه يملؤني بعزة النفس كإنسانة ، يختلف تماماً عما أسمعه من مدرسي الدين والمشايخ في الراديو والجوامع، ينقبض قلبي وتغرقني المهانة لكلامهم عن المرأة. كان أبي يقول : ʺجوهر الأديان واحد ، يتسق مع العقل والعدل والصحة والحرية والسعادة والإبداع والجمال والحب والكرامة للإنسان الرجل والمرأة على السواءʺ. لكن المدرسين والموظفين في الحكومات وفي المؤسسات الدينية في جميع الدول ، من الكهنة والحاخامات والقسس والمشايخ والأولياء ، ينصرفون إلى خدمة القوى السياسية المسيطرة ، متجاهلين جوهر الأخلاق : العدل والمساواة والكرامة والحرية ، وإلى الاهتمام بالطقوس الدينية واللحية والحجاب والكهنوت والهيكل واللاهوت. لهذا يغرق العالم في الحروب الدينية السياسية في آنٍ واحد، لا تنتهي الصراعات بين المصالح والمذاهب والعقائد والسياسات والنصوص المقدسة المحفوظة عن ظهر قلب والقائمة على التفرقة بين البشر عرقياً وجنسياً ودينياُ وقومياً وطبقياً وعضوياً وطائفياً .
أخذت عن أمي وأبي منذ الصغر، حب القراءة والاستطلاع والسفر، والبحث في التاريخ والعلوم والفنون. عشت في الهند خلال السبعينيات من القرن العشرين، قابلت الأدباء والأديبات، منهم : كاملة داس ، وأمريته بريتام. قابلت أنديرا غاندي وناقشتها في أفكارها، تمددت مع الهنود فوق المسامير، عشت بعض الليالي القمرية في أشرم غاندي ، قابلت فيلسوفة هندية في الأشرم؛ قالت لي : ʺلم يُفرِّق غاندي بين الدين والسياسةʺ ، قال : ʺلو أراد الله أن يؤمن به الهنود فلابد أن يظهر لهم على هيئة رغيف الخبزʺ. عكفت عدة أيام بالبيت في نيودلهي أقرأ كتاب الجيتا ، وهو فلسفة الدين الهندوكي ، والمنبع الذي نهل منه كثير من علماء النفس والسياسة في العالم الحديث ، لكن تظل الفلسفة الدينية، وإن تقدمت، عاجرة عن مواكبة التقدم السريع في العلوم، ويظل الدين سلاحاً في الحروب الطبقية الأبوية العنصرية حتي اليوم…