EDITORIAL – Arabic version

0

وانطوت صفحة…

فيما بدأت صفحة جديدة. فمؤخراﹰ تسارعت الأحداث وكذلك تسارع التاريخ في العالم العربي فيما أحداث العام المنصرم وضعت حدّاﹰ لأسطورة ما سُمي الربيع العربي وأدت بما لا شك فيه إلى تجدد الإسلام السياسي الذي يتحدى رموز المدارس اللاهوتية الدينية التي خرجت من تقلبات التاريخ ومن التسويات السياسية والاجتماعية التي تخللتها، لا بل ويتجاوزها من  أجل وحدة الأمة في إطار من احترام للإسلام  الحقيقي الوحيد أي إسلام النبي وصحبه ؛ هذه الظاهرة العالمية التي تغزو الكوكب ، إنها صراع ضد النسبية التي أفسدت المؤمنين، أصبح صراعا لا رجعة فيه لا يتوقف عن إرباك الغرب وباقي العالم

يعود النظام القديم شيئا فشيئا إلى الحكم في تونس ، ببطء ولكن بثقة. أما بشار الأسد فما زال على عرشه في دمشق ويصبح كذلك بطلا للمقاومة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.  أما ليبيا فتحولت إلى دولة فاشلة بكل معنى الكلمة

حددت مصر بشكل نهائي مصير الثورة من خلال عودة دكتاتورية عسكرية أقصى ما تقدمه شراء بعض الأسلحة من فرنسا مقابل

اعتراف باريس بالنظام الجديد ومشاركة الرئيس فرانسوا هولاند في احتفال تدشين قناة السويس الثانية، وتحالف مع موسكو في   مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتقارب أمر واقع ومُعلن بشكل خجول مع دمشق وعلاقات أصبحت مقبولة مع واشنطن التي قررت في  النهاية الحفاظ على مزاياها إزاء أركان الدولة المصرية بعد أن ترددت وماطلت خلال فترة ما سمي الربيع العربي . اليمن بعيد من الآن  فصاعدا عن أوهام أهواءه الديمقراطية ويعيش حربا طاحنة ليست حربه بل حرب بين إيران والسعودية

هذه الأخيرة التي دعمت الإسلاميين من شتّى الإتجاهات خلال الربيع العربي وحتى قبله فتجد نفسها في وضع مزعج إذ هي مهددة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية الذي مولته في بداياته( بالاشتراك مع حلفائها القطريين والكويتيين)، هذه القوة الإقليمية السنية منشغلة بالنفوذ الإيراني المتصاعد في العراق واليمن

مع أن الخيار في حد ذاته يشكل معضلة إلا أن الرياض قد قررت الاختيار بين الخطرين : في لحظة ما تم اتخاذ القرار بالتخلي عن التيار الجهادي وعن الأخوان المسلمين في القاهرة وترك مهمة التحكم بالبلاد للجيش المصري من أجل أن يقاتل بشكل فعال تنظيم

الدولة الإسلامية.  لكن منذ وفاة الملك عبدالله في كانون الثاني من العام المنصرم أعاد خلفه الملك سلمان تشكيل الحكم جذريا وكذلك موازين القوى في القصر الملكي بهدف العودة وبدون تحفظ إلى السياسة السابقة التي تدعم الجهاد المسلح بدون اي حذر، آملاﹰصد الطموحات الإيرانية في شبه الجزيرة العربية

تدعم تركيا تنظيم الدولة الإسلامية حتى اليوم في إطار سياسة عثمانية جديدة داعمة للسنة يمكن أن نصفها بالمجنونة. تتبع حكومة أنقرة سياسة غامضة فيما يتعلق بتحالفاتها سواء مع حلف شمال الأطلسي أو موسكو، لكنها أصبحت أيضا غير مجدية بحيث أنها خسرت اللعبة بالتأكيد وهي التي أملت الحلول محل القاهرة كقطب جديد للعالم السني واستعادة مكانتها أيام السلاطين العثمانيين : لقد فشل الأخوان المسلمون في كل مكان وتنظيم الدولة الإسلامية لم يعد دمية تتلاعب بها بسهولة وسياسة أردوغان بهذا الخصوص تشبه سباقا محموماﹰ يائساﹰ. ماذا ينتظر بعد من دعمه للدولة الإسلامية؟ تشتري أنقرة النفط من التنظيم بشكل غير قانوني وبعد؟ سمحت لنفسها بإسقاط طائرة روسية…ثم الوزير العثماني للشؤون الخارجية يقول : يمكننا احتلال روسيا في اقل من سبعة أيام. لا شك أن هذا الكلام أثار موجة صاخبة من الضحك في موسكو

تتواصل الحرب في هذه الأثناء في الشرق الأوسط

كما يتواصل بصمت وإلى غير رجعة الإختفاء المبرمج للمسيحية الشرقية

تستفيد إسرائيل من الأحداث في سوريا والعراق وباريس وفي أمكنة أخرى لكي تلفت الأنظار عن سلوكها الهادف لتصفية الفلسطينيين الذين ما زالوا يجرؤون على المطالبة بصوت عال وبقوة بالمناطق التي تم طردهم منها منذ أكثر من ستين عاما

تستمر الحرب ويتقدم تنظيم الدولة الإسلامية دون أن تتمكن القوى الكبرى التي تجاوزتها الأحداث من اتخاذ إجراء عملي فعال. فالتحالف الدولي الذي يقصف التنظيم والمعزز بالتدخل الروسي أظهر فعالية محدودة ولا يُقلق الجهاديين بسبب عدم قدرته على المخاطرة بنشر قوات برية

لم تتم الإشارة بالشكل الكافي إلى أن السنة في الأقاليم الخاضعة لسيطرة داعش ليسوا معادين له .لقد كانوا خاضعين في سوريا لنظام حليف لإيران الشيعية وفي العراق لحكومة نوري المالكي الشيعية المحمولة إلى السلطة بواسطة واشنطن، حيث طردت هذه الحكومة السنة من بغداد ومن الجيش بشكل كلي تقريباﹰ، لقد تصرف الجيش العراقي المكوﱠن أساسا ﹰمن الشيعة كمحتل في المناطق السنية.  لذلك ظهر تنظيم الدولة الإسلامية كمُحرر في عيون سكان غالبيتهم من القرويين الذين لا يختلف نمط حياتهم في النهاية عن النمط الاجتماعي الذي يفرضه السلفيون

يعتبر تنظيم الدولة نفسه في هذه الأقاليم وكأنه في أرضه وسيكون من الصعب إخراجه منها . مع ذلك، إن كان السنة في سوريا والعراق قد استقبلوا التنظيم بشكل تفضيلي ، إلا أنهم تعبون اليوم من حالة الحرب الدائمة التي تتطلب وجود الجهاديين. كذلك لو سنحت الفرصة لهم للتخلص من هذه الوصاية الإسلاموية مع ضمانات بألا يسقطوا مجدداﹰ تحت سيطرة حكومة دمشق والمليشيات الشيعية في بغداد لكان القادة المحليون قد اختاروا التوقف عن دعم التنظيم

 يكمن الحل الوحيد في إعادة ترسيم الحدود السورية العراقية من خلال إلغاء المعاهدة الفرنسية البريطانية المعروفة باسم سايكس بيكو. هذا هو الحل الوحيد الممكن، فبعد الفظاعات التي ارتكبتها مختلف الأطراف المتناحرة في سوريا خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات لا يمكن تخيل مصالحة وطنية. الشئ نفسه بالنسبة للعراق فالميليشيات الشيعية تنتقم من السكان المحليين عندما تستعيد السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة لداعش والسنة يقتلون الشيعة الذين يقعون بين أيديهم. الأفعال البربرية تتكرر هناك أيضاﹰ

 من المحتمل أن اللحظة قد أتت بشكل حاسم لطي صفحة الكولونيالية ولترك الحقائق السياسية والإثنية والثقافية والدينية العربية تستعيد أمكنتها الطبيعية وتعبيراتها الشرعية

لكن بدون معرفة ماذا سينتج عنها أو إن كانت القوى الكبرى قادرة على مواجهة هذا السيناريو. لأن العنصر اللاعقلاني يستمر وهو عامل عدم يقين أو ريبة، إنه العامل الذي يُشرك البعدين الروحي والديني الذين يغذيان هذا العالم الإسلامي الوليد

يجب تجنب الوقوع في خطأ الإكتفاء بالتحليل الديكارتي للأوضاع : فتنظيم الدولة الإسلامية ليس فقط نتيجة لمجموع صراعات المصالح الجيوستراتيجية، بل يجد قوته في شيء آخر فهمته ربما عواصم القرار في واشنطن ولندن وموسكو

إنها ليست حملة صليبية مسيحية ضد إسلام من الماضي ، تقوده الدول المسيحية الأعضاء في الناتو-   تركيا تستبعد نفسها منه  -وروسيا المقدسة .إنها حملة الرأسمالية والمادية الغربية ضد إسلام أصولي يرفض أن يفقد جوهره ويسعى لنشر هذا الجوهر عالمياﹰ

Share.

About Author

Pierre Piccinin da Prata

Historian and Political Scientist - MOC's Founder - Editorial Team Advisor / Fondateur du CMO - Conseiller du Comité de Rédaction

Leave A Reply