EDITORIAL – Arabic version

0

لست شارلي ، أنا كلود ، كنت سأحب أن أكون شارلي لكن يجب أن أكون كلود LOGO
كلود أستاذ فلسفة سياسية في مدرسة عليا في الإقليم الباريسي ومتابع دائم لموقعنا كما يتابع كتاباتي المستفزة على فسيبوك. اكتشف منذ أيام قليلة الخبر الذي نشرته على صفحتي للتو والذي أخذته من صديق جزائري يعيش في تولوز. ما الذي دفعني لفعل ذلك؟ خلال متابعتي لآخر الأخبار وقعت على مقطع مصور لمسيرة من الوعاظ في نيويورك كانوا يصيحون بشيء من الرياء أنا شارلي ، يقولونها بلكنة أمريكية سيئة. من المحتمل أن هؤلاء (الشارلي) الأميركيون لم يقرؤوا في حياتهم ولو مرة واحدة الأسبوعية الفرنسية، ولم يروا قط رسومات كابو أو شارب أو ولنسكي، لو صدقنا ما قاله جيمس بروكس في مقال في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان I’m NOT Charlie Hebdo : لو حاولوا في العقدين الأخرين نشر صحيفتهم الساخرة في أي جامعة أمريكية ما كانت لتبقى ثلاثين ثانية. كانوا سيتهمون من قبل الطلاب والدوائر الجامعية بنسج الكراهية وكانت الإدارة قد أوقفت مساعداتها المالية وأغلقت مكان تواجدها.
إنه لأمر منفر وباعث على الإزدراء رؤية هذا الرثاء الذي يدفع للخروج هذا الحشد المغفل بحركة متشابهة حيث الكل يقوم بالتصرف ذاته بدون فهم أي شيء عن المخاطر، لكن من أجل تجنب البقاء في دائرة هؤلاء الذين لم يتحركوا أو تجنب الوقوع في الخطأ بشكل فردي، لكن أيضا لأن الإحساس بالتضامن مع الأخرين شيء رائع وخاصة عندما لا يلزم في شيء.
لست شارلي
أنا فلسطين التي ُتسرق
أنا سوريا التي ُتقصف
أنا أفريقيا التي تموت من الجوع والمجازر
طبع كلود النص الوارد أعلاه وعلقه على اللوح في قاعته الدراسية. كتب لي في مساء ذلك اليوم . جاءت مجموعة من الأشخاص الحاقدين إلى قاعتي الدراسية، مكونة من طلاب وزملاء وبعض أهالي التلاميذ أرادوا نزع المطبوعة عن اللوح لكنه عارض ذلك، مما دفعهم للجوء إلى الاتصال بالإدارة المسؤولة وإلى الطرق على باب المدير الذي وصل غاضبا وانضم إلى الحشد الهستيري مطالبا كلود بنزعها لكن هذا الأخير رفض بشدة. انزع هذه القذارة ، قال أحدهم مضيفا : يجب الدفاع عن شارلي ، يجب الدفاع عن حرية التعبير. وعندما حاول كلود المقاومة دفعوه بشدة فوقع أرضا. ثم قام هؤلاء المدافعون الشجعان عن حرية التعبير بنزع المطبوعة ومن ثم التصفيق. من المؤكد أن هؤلاء جميعهم لم يلجؤوا للمخاطرة ولو للحظة واحدة في حياتهم من أجل الدفاع عن أي شكل من أشكال الحرية.
أما كلود فقد أراد بكل بساطة أ يطرح سؤالا حول ما يحدث. ربما أراد تذكير طلابه بالمآسي الكبيرة التي تحدث في الشرق والتي قد تكون قد نسيت في خضم الفوضى الحاصلة من جراء فقدان الوعي الجماعي هذا. لكن لم يكن لديه الحق بفعل ذلك. لابل إنه عرضة لإجراء عقابي بعد الذي حصل وربما سيترتب عليه ترك قاعته الدراسية بشكل نهائي. اذن، لا بعد الذي حصل أقول لا أني لست شارلي لأنني لن أعرف كيف أشارك هؤلاء الأشخاص.
لأنه مع أن كلود قد بكى عندما علم باغتيال الصحفيين في (شارلي إبدو)، إن هؤلاء (الشارلي) الذين ضربوه والذين هم أصحاب قناعات عمياء لم يحركوا ساكنا أبدا من أجل سورية أو فلسطين أو أفريقيا. لأن هؤلاء (الشارلي) الذين أحسوا فجأة أن مهمتهم هي الكفاح من أجل الدفاع عن حرية التعبير وذلك بضربهم لكلود من أجل إسكاته، لا أراهم قط عندما أتظاهر من أجل مساعدة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين ومن أجل إيقاف المذابح المكررة لإسرائيل في غزة أو عندما أتظاهر من أجل أن تتوقف الشركات المتعددة الجنسية عن تجويع أفريقيا. هؤلاء (الشارلي) الذين يظهرون فجأة في كل مكان لم يكونوا أبدا لا سوريا ولا غزة ولا ساحل العاج.
لأنني أفكر بالقريبين مني مثلي كمثل الآلاف من العائلات العربية والمسلمة التي تعيش في مدن الغرب والتي تفكر بهؤلاء الذين يسقطون يوميا ضحايا للحروب في الشرق الأوسط، ولأنه لدي صعوبة في فهم لماذا (الشارلي) لم يتحركوا من أجل هؤلاء. لأنني أرفض أن أشارك في هذا العصاب الجماعي لكن دون أن يمنعني ذلك من التعبير عن حزني للألم والرعب الناتجين عن هجمات باريس، حتى ولو أن شارلي إبدو لم تعد منذ زمن طويل رائدة للروح النقدية وللحقيقة مهما كان الثمن كما كانت سابقا ومنذ أن قررت إدارتها الالتزام بالخط السياسي السائد حين أعاد فيليب ڤال ترتيب بيتها الداخلي وبشكل واضح منذ العام 2006، كما تمت أضافة أشخاص جدد إلى صفوفها ككارولين فوريست المعروفة بنزعة الإسلاموفوبيا لديها.
لأنني أرفض أن أشارك فيما تحول بسرعة إلى حفلة بكاء محفوظة لأعضاء النادي الغربي وأتباعهم، فيما هؤلاء لا يكترثون لمآسي آلاف العائلات والتي تستمر منذ سنوات على الجانب الآخر من حوض البحر المتوسط. لأنني لا أستطيع أن أكون شارلي مع كل هؤلاء الذين لا يعرفون القيمة الحقيقية لحرية التعبير كما يجهلون الحقائق الجوهرية لكلمات أربع. لأنني مصدوم من انتقائيتهم المنافقة التي تلامس حدود عنصرية مطلقة العنان غير المعترف بها أبدا من قبلهم. لأنني لا أستطيع أن أكون فلسطين أو سوريا أو أفريقيا أو شارلي في آن معا. ليس شارلي هذا في كل الأحوال ولا هذا الفجور الذي أعتقد أنه ربما ما كان ليعجب الضحايا الاثني عشر ، لا بل إن ذلك كان سيحرجهم.
لأننا لسنا مجبرين على التعبير عن مشاعر الآخرين ذاتها. لأنه لا يجب علينا أن نقلق إذا لم نعبر عن المشاعر الغرائزية ذاتها لهؤلاء الذين انطلقوا يهتفون الشعار ذاته. لأنه لم تكن لدي يوما ذاكرة قصيرة أو لأنني أذكر أن هؤلاء الذين يتحدثون على القنوات التلفزيونية ومحطات الراديو عن اعتداء على حرية التعبير، من سياسيين وصحفيين وأشخاص عاديين، هم أنفسهم من أسكتوا بدون خجل وبعنجهية فظة صوت
ممثل فكاهي غير مزعج كثيرا، يبدو أن حرية التعبير لها أشكال متغيرة. لأنني سأعارض دائما الشرطة على العقل.
لأنني لست بحاجة لأن أعطي لذاتي الانطباع بأنني موجود من خلال شخص آخر (أنا شارلي) حتى ولو أن كتابة ذلك لا تتوافق مع الخط السائد لكن هذا هو واقع الحال فعلا عندما نتحدث عن هؤلاء الذين تجمعوا باسم هذا الشعار في الأيام الأخيرة. لكن هذه الهجمات الضخمة كان لها أثر سيء أفقد المحللين وعيهم وحرف انتباههم عن المخاطر الحقيقية للهجمات الثلاث التي ضربت باريس. ركزت كل التحليلات ومنذ الساعات الأولى التي تلت الهجمات على فكرة الهدف الواحد كما تمحورت على أن الغاية هي الاعتداء على حرية التعبير. لم تتكلم أي من وسائل الإعلام الغربية الشهيرة عن تبني الهجمة وأن الدولة الإسلامية تفاخرت في اليوم نفسه بالتخطيط للعملية كما ورد في صحف جزائرية وأخرى ناطقة بالعربية.
لكن بعد الهجوم الثالث بدأ بعض المعلقين بإظهار تغير مراوغ بالكاد تمت ملاحظته من قبل الجمهور حيث تمحورت تعليقاتهم حول تورط الدولة الإسلامية. قلة منهم أيضا ربطت بين هذه الأحداث وبين الهجوم الجهادي الذي وقع قبل أشهر في المتحف اليهودي في بروكسل، هذا الهجوم مرتبط أيضا بتمدد داعش. الهجمتان كلتاهما تؤكدان النظرية القائلة بأن الدافع ليس فقط جهاديا. شكلت شارلي إبدو هدفا بين أهداف أخرى خصوصا في حالة من الحرب الصراع فيها تم تدويله بين الغرب وحلفائه العرب من جهة وبين الدولة الإسلامية في سوريا والعراق من جهة أخرى، صراع تعتبر فرنسا جزءا منه.
لقد كان مؤكدا من اللحظة الأولى أن طريقة تنفيذ الهجمات بما فيها هجوم بروكسل مشابهة لتلك التي يتبعها تنظيم الدولة الإسلامية.
منذ البداية كان يجب وضع الهجمات في إطار هذا الصراع وتفسيرها على أساس الظروف القائمة: إنها ليست قضية حرية صحافة (أو حرية تعبير فالأمران مختلفان)، إنها حرب مقدسة. إنها حروب الغرب في الشرق التي تغرق شوارع العواصم الأوربية. إنها (حملات صليبية) لكن في الاتجاه المعاكس، لكنها ليست حرب بين حضارات.
أردت أن أتناول في مقالي لهذا الشهر السياسات الاجتماعية والإعلامية التي ترتسم بهدوء في الخليج الفارسي حيث الملكيات العجوز والمتزعزعة تحاول التجديد والانبعاث من جديد. لكن الأحداث التي ضربت باريس فرضت نفسها على أجندة مجلتنا. لقد تلقت هذه الأخيرة الكثير من التعليقات من قراء في أوربة وأفريقيا والشرق الأوسط، لذلك لا يمكننا أن نتجاوز هذا الحدث وبدقة أكثر نتائجه التي ظهرت بشكل سريع.
لكنها لم تخسر شيئا. على العكس لقد لعبت الدور الذي من المفروض أن يلعبه أي جسم صحفي شريف وصادق، لقد أتمت مهمتها على أكمل وجه والتي تتجلى في النضال من أجل الحقيقة والعدالة ومن أجل حرية التعبير بعكس هؤلاء الذين يمنعون باسم المبادئ التي يدوسونها بأقدامهم. ليس فقط حرية التعبير لأحد ما أو لأكثرية، لكن حرية التعبير للجميع من الغرب إلى الشرق.

Share.

About Author

Pierre Piccinin da Prata

Historian and Political Scientist - MOC's Founder - Editorial Team Advisor / Fondateur du CMO - Conseiller du Comité de Rédaction

Leave A Reply