EDITORIAL – Arabic version

0

الحجوزات كاملة في فنادق طهران!

أصبحت العاصمة الإيرانية فجأة مركزاً يستقطب الزوار من كل أنحاء العالم حالها كحال أمبيليكوس القديمة أو كمدينة بيت لحم عشية عيد الميلاد

يتدافع لزيارتها مبعوثو عواصم العالم ورؤساء الدول كذلك الفرنسيون والإيطاليون والسويسريون ومن كوريا الجنوبية ….الباحثون والسياح وممثلو الشركات متعددة الجنسيات كما يتدافع الحجاج حول الكعبة أيام الحج

لم تعد إيران تلك الدولة المارقة التي كانت خاضعة حتى الأشهر الأخيرة لعقوبات واشنطن وبروكسل، فمنذ توقيع الإتفاق النووي الإيراني السريع والمفاجئ في الرابع عشر من تموز من العام المنصرم  أضحى هذا البلد في غضون أيام عدة لا بل ساعات وبجرة قلم في مرتبة شرف ومن الآن فصاعداً موضوعاً لكل الإطراءات. تم التوصل إلى الإتفاق بعد اثني عشر عاماً  من المماطلة والتأفف الغربيين حيث يمكن تفسير الفجائية والحرص ربما في سياق الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية فكما نعرف طهران هي القوة الإقليمية الوحيدة الجاهزة لنشر قوات على الأرض وقد فرضت نفسها بحكم الأمر الواقع كشريك أساسي في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية

علاوةً على مشاركتها الفعالة والمصممة في الحرب المستمرة على تنظيم الدولة الإسلامية (لا يريد الحلفاء التقليديون للغرب في الخليج التورط فيها، أما المملكة العربية السعودية السنية جداً فهي واحدة من الممالك النفطية الأكثر عناداً في موضوع قتال هذا التنظيم التي ساهمت في خلقه بهدف صد الصعود القوي لشيعة العراق وحلفائهم العلويين في سوريا) تظهر إيران الجديدة بقيادة حسن روحاني جاهزةً لمختلف التفاهمات التجارية والمالية القابلة لإثارة شهية الرأسمالية الأطلسية التي وضع قادتها جانباً الشكاوى العديدة التي رددها دبلوماسيوهم في الماضي القريب بخصوص النووي (العسكري) لفارس:  اتفاق لشراء 118 طائرة إيرباص ، تتنازع وكالات السفر حصتها من السياحة في هذا البلد ، سيغرق النفط الإيراني السوق الأوربية بمقدار 700 ألف برميل في اليوم… فيما تسرع فيديريكا موغريني الممثلة السامية للإتحاد الأوربي للشؤون الخارجية إلى طهران، وقد وضعت الحجاب على رأسها ، من أجل مناقشة كيفية افتتاح مكتب تمثيل دائم للإتحاد في (بلاد آيات الله) كما كانت تسمى منذ عهد قريب

المنفيون الإيرانيون والمعارضون الدائمون للجمهورية الإسلامية والمدافعون عن حقوق الإنسان الذين تمت دعوتهم مراراً للإدلاء بمقابلات تلفزيونية خلال طقوس التنديد بإيران أصبحوا غير مرغوب فيهم!

لأن إيران تشكل سوقاً لثمانين مليون نسمة ليس لديهم إلا رغبة وهي استهلاك المنتجات الغربية

تجاهلت واشنطن اعتراضات تل أبيب! ولهذا مغزى كبير

وفي هذه الأثناء …

يهاجم النظام المصري منظمات حقوق الإنسان ويسجن نشطائها تحت ذرائع واهية لا سيما منها (مؤامرة مع الخارج)، هذه الأسطوانة القديمة في السياسة الداخلية المُستخدمَة باستمرار منذ أكثر من أربعين عاماً من قِبل كل الدكتاتوريات ما بعد كولونيالية في العالم العربي. يجرؤ الجنرال السيسي (مُنقد مصر) الذي يرتدي أحيانا الزيّ المدني على كل شيء! يتودد إليه كل من باريس وصديقه الجديد في موسكو ولما سيحرم نفسه من ذلك؟ استعادت الأعمال عافيتها فيما العالم يتلعثم…  إنها ثورة شعبية ، ثورة ديمقراطية مزيفة لمجتمع مدني ضعيف غير قادر على تحويل التجربة، أنتج دكتاتورية بدون رحمة وشرسة إلى حد يثير الندم تقريباً على أيام الأوليغارشية التي سقطت في شتاء 2011

 تلجأ الأنظمة التوتاليتارية في إفريقيا غالباً إلى التقتيل الإنتقائي أو على نطاق واسع من أجل الحفاظ على توازنها كتب منذ عام أحد مراسلينا في تونس. هل فهم الشعب المصري ذلك؟ وهو الذي يترك حرية التصرف لعدالة جزائية تعسفية وانتقائية. قد يكون السيسي حقيقة معبوداً من قبل أكثرية المصريين! لذلك قد لا يتم الأخذ في الحسبان هؤلاء المحتجين الذين تم اغتيالهم فبنظر ملايين المصريين ليسوا إلا طفيليات وجب القضاء عليها. لقد أحبت إفريقيا طغاتها دوماً (والحسابات البنكية في سويسرا أيضاً) أما مسألة تحديد عدد الولايات الرئاسية في  قارة مانديلا فتبقى نكتة سمجة يتم تداولها  في أروقة القصور    

في تونس الباجي قائد السبسي هذا الجلاد ايام بورقيبة أصبح أول رئيس منتخب ديمقراطياً وينوي مسبقاً القيام بإصلاح دستوري يمنحه المزيد من السلطات…يتلعثم التاريخ مجدداً. بالطبع لا يمكن الحديث عن دكتاتورية في تونس لكن نسمع كثيراً الحديث في شارع بورقيبة عن ديمقراطية مزيفة

ترتسم معالم الدكتاتورية في تركيا حيث أعطى الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يبدو غير مكترث بأي كان الأوامر باعتقال أكثر من 140 مواطناً منهم 88 قيد الإحتجاز مسبقاً.  ما هو السبب؟ الشبهة بأن لهم صلات بفتح الله غولن الحليف السياسي السابق لأردوغان والذي أدار ظهره لحزب العدالة والتنمية ولجأ إلى الولايات المتحدة بعد أن  ندد بفساد النظام وبالصفقات المالية المشبوهة لعائلة الرئيس

تحاول القبائل الليبية بلا جدوى أن تمنح للبلد مظهر الوطني الجامع بهدف وقف توسع تنظيم الدولة الإسلامية التي تبتلع قلب الإقليم أما اليمن فيواصل نزوله إلى الجحيم على وقع حرب فظيعة وكأن شخصاً في العالم الحر لم يسمع أبداً بالحديث عنها

ما يسمى الربيع العربي الذي ُولِد في خيال الصحف الغربية يستمر في خذلان المحللين وحمقى الصحف الذين اخترعوه القاعدون خلف مكاتبهم في باريس ولندن وبروكسل. لقد شاهدوا الصور على شاشات التلفزة لكن هؤلاء الذين اعتادوا إجراء التحقيقات على الأرض يعرفون أن الحقيقة مختلفة

لقد اختفى مصطلح الربيع العربي من قاموس المحررين الذين أخطأوا حول كل شيء لكن بما أنهم مخلصون لطرق عملهم يتجنبون العودة على أخطائهم لا بل يمنعون أنفسهم من مراجعتها أمام العامة الغافلة والكثيرة النسيان ، بالنسبة لهؤلاء المحررين إنها قضية حفاظ على المصداقية

شكراً لروسيا وشكراً لك آية الله!

الهجوم الجوي الروسي الذي لم يتوقف مع الإنسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا سمح بالفعل لنظام بشار الأسد باستعادة مدينة تدمر وأدى لتراجع جبهة النصرة أو القاعدة في سوريا في محافظتي إدلب وحلب  فيما لم يعد أي كان يتحدث عن الثورة أو عن يتامى الجيش السوري الحر

يشكل شيعة العراق ولبنان وسوريا اليوم رأس حربة من أجل استعادة الأقاليم من يد داعش في اللحظة التي يوشك فيها أكراد إربيل أو أبطال الغرب كما تمت تسميتهم في وقت ما على ترك التحالف مكتفين بما يعتبرونه حكراً لهم وحدهم

إذن ماذا نقول لفلاديمير ولحسن ؟

Share.

About Author

Pierre Piccinin da Prata

Historian and Political Scientist - MOC's Founder - Editorial Team Advisor / Fondateur du CMO - Conseiller du Comité de Rédaction

Leave A Reply