EDITORIAL – Arabic version

0

“لا أعرف لماذا يعود إلى السلطة، الناس يطالبون به بدلا من رشقه بالحجارة الشارع بحاجة لزعيم”

هذا بالضبط ما قاله لي صحفي تونسي في تموز 2012 ، لقد عبر لي عن مخاوفه فيما يتعلق بالباجي قائد السبسي، هذا الديناصور الذي ينتمي إلى نظام زين العابدين بن علي والذي قد يتم انتخابه رئيسا للجمهورية في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

يقول محام تونسي ناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان معروف دوليا :لا أفهم لماذا علينا البحث في الماضي. لماذا البحث عن شخص ساهم في السياسات القمعية لبورقيبة وكان وزيرا للداخلية ومن ثم مديرا للأمن ومسؤولا عن أعمال تعذيب فظيعة. يضيف: لدينا شهادات كما أننا نظمنا لقاء مغاربيا من أجل الحديث عن التعذيب ومن أجل سماع شهادات الضحايا. لا أستطيع أن أصف لكم إلى أي مدى كان ذلك مروعا.

لقد حكى بعضهم عن سلوك السبسي في الماضي وكيف كان يأتي مرتديا ربطة عنق وحاملا سيجاره ليشاهد السجناء المقيدين إلى الأرض. يقول هل ما زالوا أحياء هؤلاء الأوغاد؟ في حين أن وزراء آخرين في عهد بورقيبة كانوا يقولون حين رؤيتهم للسجناء فليكن الله في عونكم.

هل هي سذاجة المجتمع المدني المولود من جديد هي التي سمحت لشخص مطرود بعد الثورة بأن يعود للترشح من جديد ؟ أم أن السبب هو غياب البديل ؟ الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي مدين بانتخابه من قبل المجلس الوطني التأسيسي لتحالفه مع حزب النهضة الإسلامي الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد(89) في الانتخابات التي جرت في 23 تشرين الأول 2011، تلاه حزبه المؤتمر من أجل الجمهورية ﺑ(29) مقعداً. بينما لم يحصل هذا الحزب المنتمي إلى اليسار الوسط إلا على أربع مقاعد فقط في الانتخابات التشريعية التي جرت في تشرين الأول 2014.
قادة النهضة الذين لم يقدموا مرشحاً إلى الرئاسيات ربما سيعمدوا إلى مفاجئة الجميع بدعوة أنصارهم للتصويت لصالح المرزوقي في الدورة الثانية من الانتخابات.  لكن هناك إشاعات تقول أن حزب النهضة قد تحالف سرياً مع حزب نداء تونس بزعامة السبسي، هذا التحالف يعتبر بمثابة اتفاقية تهدف لبقاء الإسلاميين في السلطة.  لكن التحالف لا يعني أبداً  الصداقة  حيث أنه يوجد في المقر العام لحزب النهضة من ينظر بعين الريبة والقلق للصعود المذهل لأنصار بورقيبه وبن علي ، ولذلك يعتقد النهضويون بأنه من الأفضل العمل على إيقاف تقدم هؤلاء. وفي هذه الحالة سيكون المرزوقي هو المرشح تلقائيا والمنتخب أيضا من قبل الاسلاميين.

مع ذلك يجب التذكير أن النهضة لم تدع أنصارها للتصويت لصالح المرزوقي في الدورة الأولى والاحتمال يبدو ضعيفا بأن تنحو منحى مختلفا في الدورة الثانية.

هل من المحتمل أن يبدو المجتمع المدني التونسي الذي كان عليه قيادة تونس نحو فجر الديمقراطية وكأنه غير ناضج أو مجرد أسطورة خطها بعض الصحفيين الغربيين الذين يدعون الفهم العميق للواقع الاجتماعي والسياسي للمغرب العربي وللشرق وهل ستتجه تونس إلى مواجهة مصير سياسي مشابه لما حصل في بلدان الربيع العربي كاليمن ومصر وسورية؟ بما معناه قيام نظام حكم أوتوقراطي، أوليغارشي أو حتى حصول ما هو غير متوقع أي تجربة الجهاديين المريعة.

لكن ما زال لدى البعض الأمل والثقة بالمثالية الديمقراطية التي نشأت بعد ربيع 2011 ، لكنها تنبع من قناعة أكثر منه من تفكير عقلاني. فالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع عشر من كانون الأول والتي تم تأجيلها إلى الثامن والعشرين منه، ومن ثم الحديث عن وعود بتقديمها إلى الواحد والعشرين من الشهر الجاري، هذه الجولة ما زال لديها من الغموض ما يكفي حيث لا أحد يستطيع أن يؤكد أن نتائجها مقررة مسبقا.

لحزب نداء تونس الأغلبية في البرلمان حاليا ومن المحتمل أن يتم انتخاب رئيسه السبسي من قبل الشعب الذي يتحسر على عهد الرئيسين بورقيبه وبن علي. هذا الانتخاب سيعني الحرية للسبسي بأن يقود تونس في الطريق الصحيح، الطريق الذي اعتقدت النخب الاقتصادية الغربية بأن تونس قد خرجت عنه.

يتابع المحامي المدافع عن حقوق الإنسان : كيف يمكن ألا نتعاطف مع هؤلاء الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لسنوات عدة قضوها في زنازين معتمة ورطبة؟ لا لا إنه فاشي.

لا يوجد في الصحافة الغربية سطر واحد حول هذا الماضي المريع ولا حتى كلمة لهؤلاء الكتاب الجهلاء الذين ما زالوا مفتونين إلى درجة ما بالربيع العربي. إنهم حاليا يصفقون للتصويت الذي حصل على الدستور التونسي الجديد في كانون الثاني الماضي في جو من الابتهاج مع أنه ملئ بالنقاط غير الواضحة وناتج عن تسويات عرجاء سيكون لها نتائج سلبية جدا على الحريات. يصفق هؤلاء الكتاب ايضا لانتخاب هذا الوغد ولعودة النظام القديم إلى قمة هرم الدولة.

نسترجع هنا أحد الألفاظ في فلم للمخرج شابرول : إخرس (إخرسوا)

بالرغم من ذلك علينا القول أن الوسط الإعلامي يبقى مرتابا إذ أننا لا نعرف أبدا متى يمكن للحقيقة أن تنكشف.

Share.

About Author

Pierre Piccinin da Prata

Historian and Political Scientist - MOC's Founder - Editorial Team Advisor / Fondateur du CMO - Conseiller du Comité de Rédaction

Leave A Reply