العالم ليس قرية
هذا ما يؤكده التلمود إذ ورد فيه أنه عندما يوجد أخوة وإجماع فهذا يعني أنه توجد مشكلة ما كما أن هذا مثير للشك، ووذلك لن يستمر إلى ما لا نهاية.
ظاهرة الهستيريا المسماة شارلي لم تعد مناسبة اليوم
أدرك الرئيس فرانسوا هولاند ذلك، لقد غير من أسلوبه السياسي ليبدو قويا أمام الفرنسيين وذلك بهدف إطالة الإثر الإيجابي الذي نجم عن ما يسمى (أنا شارلي) والذي قدم له خدمة كبيرة. إنه يهدد موسكو بحرب في أوكرانيا، قد يسخرون من ذلك في الكرملين.
يمكن أن نصفها بالهستيريا الجماعية لهؤلاء الحمقى (ربما هذا ما كان سيقوله كابو أو يرسمه كوكو) ولعابري السبيل الذين لم يفعلوا شيئا أبدا من أجل الدفاع عن الحرية. باندفاعهم المفاجئ الهادف إلى إنقاذ حرية التعبير هاجموا بعنف أحيانا كل الذين (لم يكونوا شارلي) وتجرؤوا على قول ذلك علنا، هؤلاء الحمقى هم من تجب ملاحقتهم من الآن فصاعدا.
حركتهم هستيريا مفاجئة سيطرت على الجماهير ومن ثم أخلت مكانها لنوع من العصاب والخوف من الهجمات وكذلك لنمط من الهلع الذي ساد أكثر من أي وقت مضى: يقوم المتظاهرون من اليوم فصاعدا باحتضان رجال الشرطة هؤلاء الأبطال الجدد الذين يخوضون حربا جديدة ، الجماهير جاهزة لتقديم أي نوع من التنازلات في ظل الوضع الجديد. من الممكن ملاحظة أن فرضية وضع قانون Patriot Act أوربي ولدت في ذهن البعض فيما لم يتردد البعض الآخر في التمني بأن يتحقق ذلك. باريس وبروكسل تعتبران أن ما حصل هو بمثابة أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتستلهمهما فكرة الاستفادة من نتائجه لكن على طريقتها (remake French Style ) ، لكننا نعرف مسبقا أن الديمقراطيات الأوربية قد لا تخرج سليمة من ذلك.
ساهمت الهستيريا المذكورة في تغيير المعطى الذي كان قائما فيما يتعلق بالعرب والمسلمين في الغرب حيث أنهم ملزمون بأن يعلنوا أنهم أكثر انتماء لشارلي من شارلي نفسه وبأن يشاركوا مع الجميع في هذا التجمع الغربي العلماني بهدف الإثبات من خلال التعهد بالمواطنية الجيدة أنه يمكننا أن نكون مسلمين في أوربة دون أن يعني ذلك بالضرورة دعم الدولة الاسلامية.
دخلنا مباشرة فيما يشبه السينما السوريالية لعام 1984 والتي أصبحت حقيقة وبشكل عنيف كما في الفلم Meilleur des Mondes : انضمت الجمهورية الفرنسية إلى المواطنين والمدرسة والعمل وإلى كل من أعلنوا (أنا شارلي) خلال دقائق صمت طويلة وكل من لم ينضم إليهم قد يكون معرض للوصف بأنه منحرف وبالتالي مطاردته. إنها أزمنة يسودها الغباء والقساوة.
قامت صحيفة شارلي إيبدو بتكرار رسم النبي محمد وكتبت عليه : تم العفو عما مضى. لكن ذلك مهين كالعادة، إنه لشئ مذل أن نطلب من المسلمين أن يحددوا موقفهم بوضوح وفي الوقت ذاته نشر هكذا رسومات. لكن أليس ذلك محرضا على الكراهية؟ أليس ذلك عنصري وتمييزي؟
أنا شارلي في باريس ونيويورك وسدني لكن لست كذلك في غزة وحلب والجزائر وبغداد وبعد كل ذلك نتعجب عندما نرى شابا من الضواحي يتساءل إن كان هو مواطنا فعلا وإن كان الفرنسيون الأصليون يمنحونه الحق في أن يكون مواطنا مثلهم؟ ربما لا ثم يتساءل إن كان عليه دعم (الأخوة المسلمين) والانضمام إلى القتال الذي تخوضه الدولة الاسلامية بدافع الكراهية أو بدافع رفضه لفرنسا التي رفضته أو أخيرا بدافع الاستفزاز بغض النظر عن إن كان محقا أم لا .
يمكن القول إنه الزمن الذي يواجه فيه الغرب المغرب والشرق لكن في الضواحي
أخيرا، أظهرت ظاهرة (أنا شارلي) بشكل واضح أن العالم ليس قرية
نأن